فصل: المقصد الأول في ترتيب نياباتها على ما هي مستقرة عليه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: صبح الأعشى في كتابة الإنشا (نسخة منقحة)



.الطرف السادس من الفصل الثاني من الباب الثالث من المقالة الثانية في ذكر أحوال المملكة الشامية:

وفيه مقصدان:

.المقصد الأول في ترتيب نياباتها على ما هي مستقرة عليه:

قد تقدم أن الممالك المعتبرة بالبلاد الشامية ست ممالك في ست قواعد، وكل مملكة منها قد صارت نيابة سلطنة مضاهيةً للمملكة المستقلة.
النيابة الأولى: نيابة دمشق:
وفيها ثلاث جمل:
الجملة الأولى في ذكر أحوالها في المعاملات ونحوها:
أما الأثمان المتعامل بها فيها، فعلى ما تقدم في الكلام على معاملات الديار المصرية من المعاملة بالدنانير المصرية ونحوها وزناً، والدنانير الافرنتية عداً، والدراهم النقرة وزناً لا تختلف النقود في ذلك، إلا أن الصنجة في أوزان الذهب بالديار المصرية تخالف الصنجة الشامية في ذلك، فتنقص الصنجة الشامية عن الصنجة المصرية كل مائة درهم درهمٌ؛ والمعاملة فيها بفلوس صغار، وكان يتعامل بها في الديار المصرية في الزمن الأول قبل ضرب الفلوس الجدد، حساباً عن كل درهم أربعة وستون فلساً، وكل أربعة فلوس منها يعبر عنها عندهم بحبة، ثم راجت الفلوس الجدد عندهم بعد سنة ثنتين وثمانمائة. إلا أن كل بدرهم بخلاف ما تقدم في الديار المصرية من أن كل أربعة وعشرين فلساً منها بدرهم.
وأما رطلها الذي يعتبر به موزوناتها فستمائة درهم بدرهمهم المتقدم تقديره، وأواقيه اثنتا عشرة أوقية، كل أوقية خمسون درهماً.
وأما كيلها الذي يعتبر به مكيلاتها فبالغرارة، وهي اثنا عشر كيلاً، كل كيل ستة أمداد، ينقص قليلاً عن ربع الويبة المصري، ونسبة الإرداب من الغرارة أن كل غرارة ومد ونصف ثلاثة أرداب بالكيل المصري تحريراً على الدمشقي. ثم قال: لكن كيل دمشق ورطلها هو المعتبر وإليه المرجع.
وأما قياس قماشها فبذراع يزيد على ذراع القماش بالقاهرة بنصف سدس ذراع وهو قيراطان.
وأما قياس أرض الدور بها وما في معناها، فإنه يعتبر بذراع العمل المتقدم الذكر في الديار المصرية.
وأما سعرها فقال في مسالك الأبصار: سعر اللحم بها أرخص من مصر والدجاج والإوز أغلى من مصر، وكذلك السكر؛ ولم يتعرض لغير ذلك. ولا خفاء في أن الفاكهة فيها ارخص من مصر بالقدر الكبير، والقمح والشعير والباقلاء نحو من سعر مصر؛ وذلك كله عند اعتدال الأسعار. أما حالة الغلاء فيختلف الحال بحسبه.
الجملة الثانية في ترتيب مملكتها:
وهي ضربان:
الضرب الأول في ترتيب حاضرتها:
أما جيوشها، فعلى ما تقدم في الديار المصرية في اجتماعها من الترك والجركس والروم والروس والآص، وغير ذلك من الأجناس المضاهية للترك في الزي، ويزيد بها التركمان المتميزون عن صفة الترك وزيهم، وجندها مقسمون إلى ما تقدم في الديار المصرية: من الأمراء المقدمين والطبلخانات والعشرات، ومن بين المقدمين والطبلخانات: كأمراء السبعين والخمسين، وما بين العشرات والطبلخانات كالعشرينات ونحوهم؛ وكذلك مقدمو الحلقة وجندها، ولا وجود فيها للمماليك السلطانية لأنهم لا يكونون إلا بحضرة السلطان. وقد أخبرني من له خبرة بحال مملكتها أن الأمراء المقدمين بها كانوا في الأيام الناصرية محمد بن قلاوون عشرةً غير النائب بها، وربما نقضوا الآن عن ذلك، وأن أمراء الطبلخانات بها كانوا إذ ذاك أربعين وأنهم الآن نيف وخمسون، وأن أمراء العشرات كانوا بها ألفين ومائة وخمسين بما فيهم من البحرية.
وأما إقطاعاتها- فقال في مسالك الأبصار: إن إقطاعاتها لا تقارب إقطاعات مصر، بل تكون على الثلثين منها، إلا في أكابر الأمراء المقربين بحضرة السلطان فإن إقطاعاتهم خارجةٌ عن العادة فلا يعتد بها. قال: ولا أعرف بالشام ما يقارب ذلك غلا ما هو لنائب دمشق.
وأما بيوتاتها السلطانية- فقال في مسالك الأبصار: بها خزانة تخرج منها الإنعامات والخلع، وخزائن سلاح، وزردخاناه، وبيوت تشتمل على حاشية سلطانية مختصرة، حتى لو جهز السلطان إليها جريدةً وجد بها من كل الوظائف القائمة بدولته. قال: وكل أمير أمر فيها أو في غيرها من الشام أو رب وظيفة ولي وظيفة من عادة متوليها لبس خلعة أو خدم أحدٌ خدمة في مهم من المهمات أو أمر من الأمور يستوجب خلعة أو إنعاماً ولم يخلع عليه من مصر كان من دمشق خلعته وإنعامه، ومنها تخرج أعلام الإمرة وطلائعهن وشعار الطبلخاناة.
وفي خزائن السلاح بها تعمل المجانيق والسلاح، ويحمل إلى الشام وتعمر به البلاد والقلاع، ومن قلعتها تجرد الرجال وأرباب الصنائع إلى جميع قلاع الشام، وتندب في التجاريد والمهمات.
قلت: أما باقي البيوت كالفراش خاناه ووالإصطبلات السلطانية وما شاكلها، فلا وجود لها فيها مما ينسب إلى السلطان، بل يكون ذلك للنائب قائماً مقام السلطان لأنه في الحقيقة السلطان الحاضر؛ وكان بها مطابخ السكر السلطانية فأضيفت إلى من يتحدث في الأغوار من النائب أو غيره من الأمراء الأكابر.
الضرب الثاني في بيان أرباب الوظائف بدمشق على تباين مراتبهم:
ووظائفها المعتبرة على خمسة أصناف:
الصنف الأول: وظائف أرباب السيوف:
وهي مضاهية لوظائف أرباب السيوف بالحضرة السلطانية في كثير منها؛ وهي عدة وظائف: منها نيابة السلطنة بها- وهي أجل نيابات المملكة الشامية وأرفعها في الرتبة، ونائبها يضاهي النائب الكافل بالحضرة السلطانية في الرتبة والألقاب والمكاتبة، ويعبر عنه في المكاتبات السلطانية وغيرها بكافل السلطنة الشريفة بالشام المحروس ويكتب له من الأبواب السلطانية تقليدٌ شريفٌ من ديوان الإنشاء الشريف؛ وهو قائم بدمشق مقام السلطان في أكثر الأمور المتعلقة بنيابته، ويكتب عنه التواقيع الكريمة، ويكتب عنه المربعات بتعيين إقطاعات الجند، وتجهز إلى الأبواب الشريفة فيشملها الخط الشريف السلطاني، ويترتب حكم المربعات المصرية والمناشير على حكمها كما سيأتي في الكلام على المناشير في موضعها عن شاء الله تعالى؛ وهو يكتب على كل ما يتعلق بنيابته من المناشير والتواقيع والمراسيم الشريفة بالاعتماد؛ ومعه يكون ناظر البيمارستان النوري بدمشق كما يكون نظر البيمارستان المنصوري بالقاهرة مع أتابك العساكر؛ وكذلك يكون معه نظر الجامع الأموي بها.
ومنها نيابة القلعة بها- وهي نيابة منفردة عن نيابة السلطنة، ليس لنائب السلطنة عليها حديث، وولايتها من الأبواب السلطانية بمرسوم شريفٍ يكتب من ديوان الإنشاء الشريف. قال في التثقيف: وكان عادة نائبها في الأيام المتقدمة مقدم ألف، ثم استقرت بعد ذلك طبلخاناه، وهي على ذلك إلى الآن. ومن شانه حفظ القلعة وصونها، ولا يسلم مفتاحها لأحد إلا لمن يتولاها مكانه أو لمن يأمره السلطان بتسليمه له. ولنائبها أجناد بحرية مقيمون في القلعة لخدمته، ولا يحضر هو ولا أحدٌ منهم دار النيابة بالمدينة، ولا يركبون في الغالب. وقد اخبرني بعض أهل المملكة أن بالقلعة طبلاً مرتباً لاستعلام أوقات الليل إذا أذن للعشاء الآخرة ضرب عليه عند مضي كل أربع درج ضربة واحدة إلى أن ينقضي ثلث الليل الأول. فإذا دخل الثلث الثاني ضرب عليه عند مضي كل أربع درج ضربتين إلى انقضاء الثلث الثاني. فإذا دخل الثلث الثالث ضرب عليه عند مضي كل أربع درج ثلاث ضربات إلى أن يؤذن للصبح. قال: وهكذا شأن سائر القلاع بالممالك الشامية.
ومنها الحجوبية- وكان بها في الأيام الناصرية ابن قلاوون فيما يقال ثلاثة حجابٍ، أحدهم حاجب الحجاب، ويعبر عنه في ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية بأمير حاجب؛ وعادته أن يكون مقدم ألف من الزمن القديم وهلم جراً؛ وهو الرتبة الثانية من النائب؛ ومن شانه الجلوس بدار العدل، ولا يقف كما يقف حاجب الحجاب بين يدي السلطان بالديار المصرية، وإذا خرج النائب عن دمشق في مهم أو غيره، كان هو نائب الغيبة عنه. وإذا برز مرسوم السلطان بالقبض على نائب السلطنة بها، كان هو الذي يقبض عليه ويفعل فيه ما يؤمر به من سجن أو غيره، ويقوم بأمر البلد إلى أن يقام نائب آخر.
والحاجبان الآخران طبلخانتان أو طبلخاناه وعشرة، وربما كانوا أربعة: حاجب الحجاب وثلاث طبلخانات أو طبلخانتان وعشرون أو عشرة أو غير ذلك؛ ورتبهم في المواكب أن يكون حاجب الحجاب والذي يليه في الرتبة ميمنة والثاني ميسرة. ثم صاروا في الأيام الظاهرية برقوق خمسة أو ستة. ولم تجر العادة بأن يكتب لأحد منهم مرسومٌ شريف من الأبواب الشريفة عند ولايته، ولا مدخل للنائب بها في كتابة ما يوقع لأحد منهم.
ومنها شد المهمات- وهي رتبة جليلة، وموضوعها التحدث في أمور الاحتياجات السلطانية، وتارة لنائب السلطنة بدمشق، وتارة لحاجب الحجاب، وتارة لبعض الأمراء المقدمين والطبلخانات بحسب ما يقتضيه رأي السلطان.
ومنها نقابة القلعة بها- وهي إمرة عشرة بمرسومٍ شريف، يكتب له من الأبواب الشريفة.
ومنها نقابة النقباء- وهما نقيبان: نقيبٌ للميمنة ونقيبٌ للميسرة.
ومنها الخزندارية- وموضوعها التحدث على الخلع والتشاريف السلطانية بالقلعة وعادتها أربعة طواشية خصيانٌ بعضهم أعلى بعض، أحدهم في رتبة أمير طبلخاناه أو أمير عشرين، والثاني دونه، والثالث دونه، والرابع دونه؛ وكل منهم له توقيع كريم من نائب السلطنة بدمشق على قدر رتبته.
ومنها نقابة الجيش- وفيها نفر، أكبرهم يعبر عنه بنقيب النقباء، تارة يكون أمير طبلخاناه، وفي غالب الأوقات أمير عشرة، ودونه اثنان من جند الحلقة. ويكتب لكل منهم توقيع كريم عن النائب على قدر رتبته.
ومنها شد الدواوين- وموضوعها التحدث في استخراج الأموال السلطانية رفيقاً للوزير كما في الديار المصرية، وكانت في الأيام المتقدمة إمرة طبلخاناه، ثم استقرت إمرة عشرة. وهي الآن جندي من أجناد الحلقة، ويكتب لمتوليها توقيع كريم عن النائب.
ومنها شد الأوقاف- وموضوعها التحدث على أوقاف المسلمين بدمشق، وعادتها إمرة عشرة، وربما كانت طبلخاناه، ويكتب لمتوليها توقيع كريم عن النائب.
ومنها شد الخاص- وعادته طبلخاناه أو عشرة أيضاً.
ومنها شد الزكاة- وموضوعها التحدث على متجر الكارم ونحوه، وكانت في الزمن المتقدم إمرة عشرة، وهي الآن جندي، ويكتب لمتوليها توقيع كريم عن النائب.
ومنها شد العشر- وموضوعها التحدث في واصل الفرنج، وكانت إمرة عشرة، وهي الآن جندي، ويكتب لمتوليها توقيع كريم عن النائب.
ومنها شد الطعم- وهي بمثابة الوكالة بالديار المصرية، وولايتها عن النائب بتوقيع كريم، وعادتها إمرة عشرة أو مقدم حلقة أو جندي، ويكتب بها توقيع كريم عن النائب.
ومنها ولاية المدينة- وموضوعها التحدث في أمر الشرطة كما في سائر الولايات، وعادتها إمرة عشرة، وربما وليها جندي، ويكتب بها توقيع كريم عن النائب.
ومنها المهمندارية- وموضوعها تلقي الرسل الواردين، في أمور أخرى كما في الديار المصرية. وقد أخبرني بعض أهل المملكة أنه كان بها في الأيام الناصرية ابن قلاوون في نيابة الأمير تنكز مهمندارٌ واحدٌ مقدم ألف، ثم استقرت في الدولة الأشرفية شعبان بن حسين نفرين، وهي على ذلك إلى زماننا، وهما الآن أمير عشرة، وجندي، ويكتب لكل منهما توقيع كريم عن النائب على قدر رتبته.
ومنها أميراخورية البريد- وموضوعها التحدث على خيول البريد بدمشق ونواحيها. وأخبرني أهل هذه المملكة أنه لم يزل بها أمير عشرة من الأيام الناصرية ابن قلاوون وإلى الآن.
ومنها تقدمة البريد- وموضوعها التحدث على جماعة البريدية بدمشق. وأخبرني بعض أهل المملكة أنها كانت في الأيام الناصرية ابن قلاوون منحصرةً في واحد من جملة البريدية، ثم استقر فيها الآن اثنان إما إمرة عشرة وإمرة خمسة، أو إمرة خمسة وجندي، أو نحو ذلك؛ ويكتب لكل منهما توقيع كريم عن النائب على قدر مرتبته.
ومنها شدود صغار متعددة، يولى بها أجناد بتواقيع لهم عن النائب: كشد دار البطيخ والفاكهة، وشد المسابك من الحديد والنحاس والزجاج وغير ذلك، وشد المواريث الحشرية ونحو ذلك. وكان لمطابخ السكر شد مفرد يولى بتوقيع كريم عن النائب، ثم استقر ذلك مضافاً لمن يتحدث على الأغوار من النائب أو غيره.
قلت: أما سائر أرباب الوظائف من الأمراء المستقر مثلهم بالحضرة السلطانية، كرأس نوبة، وأمير مجلس، وأمير سلاح، وأمير اخور، وأمير جاندار، وأستادار المباشرة، وأستادار الصحبة، وشاد الشراب خاناه، والجاشنكرية، ومقدم الممالك ونحوهم، فلا وجود لهم هناك. وإنما يكون للنائب مثلهم من أجناده كغيره من سائر الأمراء.
الصنف الثاني: الوظائف الديوانية:
وهي عشر وظائف:
منها الوزارة- وهي تارة تعلو رتبة صاحبها بأن يكون جليل القدر، كما إذا كان قد تقدمت له ولاية وزارة بالديار المصرية أو نحو ذلك فيصرح له بالوزارة، وتارة تقصر رتبته عن ذلك فيطلق عليه ناظر المملكة الشامية، ولا يسمح له من ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية باسم الوزارة، وإن كان الجاري على ألسنة العامة إطلاق لفظ الوزير عليه. وكيفما كان فإنما يوليه السلطان من الأبواب الشريفة، إن كان وزيراً كتب له تقليد، وإن كان ناظر المملكة كتب له مرسوم.
قلت: وقل أن يليها أرباب السيوف، فإن وقع ذلك احتاج معه إلى ناظر مملكة كما يكون ناظر الدولة مع الوزير رب السيف بالديار المصرية.
ومنها كتابة السر- ويعبر عن متوليها في ديوان الإنشاء بالأبواب السلطانية بصاحب ديوان الإنشاء بالشام المحروس، ولا يقال فيه: صاحب دواوين الإنشاء كما في الديار المصرية. على أنها تضاهي كتابة السر في الديار المصرية. وكيفما كان فإنما يولى من الأبواب السلطانية بتوقيع شريف، ويحترز السلطان فيها على أن يكون كاتب السر من خاصته الموثوق بهم ليطالعه بخفيات أمور المملكة وما يحدث بها مما لعل النائب قد يخفيه عن السلطان. وبديوانه كتاب الدست وكتاب الدرج كما بالديار المصرية، ويقال عنه كان عدة كتاب الدست في الأيام الناصرية ابن قلاوون نفرين وكتاب الدرج جماعة يسيرة، ثم زاد الأمر كما في الديار المصرية. وولايات كتاب الدست وكتاب الدرج بتواقيع كريمة عن النائب دون الأبواب الشريفة.
وأخبرني بعض أهل دمشق العارفين بأحوال المملكة أن كاتب السر في الزمن المتقدم لم يكن يحضر دار العدل مع النائب، وإنما كان يحضر كتاب الدست فقط فيوقعون بما يحتاج إليه في المجلس وينصرفون إلى كاتب السر فيخبرونه بما اتفق، وكاتب السر يجتمع بالنائب في أوقات مخصوصة فيما يتعلق بالأمور السلطانية فقط، وكان كاتب السر ربما داجى عليه الموقعون فيما يقع بدار العدل فيلحقه بعض الخلل. فلما ولي كتابة السر القاضي سعى السعي العظيم حتى أذن له في الحضور بدار العدل والتوقيع فيه، واستمر ذلك إلى الآن.
ومنها نظر الجيش- وموضوعه التحدث في الإقطاعات: إما في كتابة مربعات تكتب بما يعينه النائب من الإقطاعات المتوفرة عن أربابها بالموت ونحوها وتكميلها بخطوط ديوانه، ويجهزها النائب إلى الأبواب الشريفة ليشملها الخط الشريف السلطاني، وتحمل إلى ديوان الجيوش بالديار المصرية فتجعل شاهداً مخلداً فيه، وتكتب منه مربعة، بمقتضاها يخرج المنشور على نظيرها كما تقدمت الإشارة إليه، وإما في إثبات المناشير الشريفة التي تصدر إليه من الأبواب السلطانية بديوانه حفظاً لحسبانات المقطعين. وليس بالشام كتابة مناشير أصلاً، بل ذلك مختص بالأبواب السلطانية، فإن كان فيه كتابة الدست وقع بدار العدل في جملة الموقعين وإلا فلا، وإذا كان موقعاً جلس مجلس ناظر الجيش وإن كان متأخراً في القدمة عن غيره من الموقعين، وولاية هذا الناظر من الأبواب الشريفة السلطانية بتوقيع شريف، وبديوانه عدة مباشرين من صاحب ديوان وكتاب وشهود، ولايتهم عن النائب بتواقيع كريمة. وناظر الجيش هو الذي يحكم في المحاكمات الديوانية كما يحكم فيها مستوفي المرتجع بالديار المصرية.
ومنها نظر المهمات الشريفة- وهي وظيفة جليلة يكون متوليها من أرباب الأقلام رفيقاً لشاد المهمات المتقدم ذكره من أرباب السيوف: من النائب أو حاجب الحجاب أو غيرهما. وهي تارة تضاف إلى الوزارة، وتارة تفرد عنها بحسب ما يراه السلطان. وولايتها من الأبواب السلطانية بتوقيع شريف. وبهذا الديوان عدة مباشرين من كتاب وشهود؛ فيوليهم النائب بتواقيع كريمة.
ومنها نظر الخاص- وموضوعه هناك التحدث فيما يتعلق بالمستأجرات السلطانية وغيرها من الأغوار وما يجري مجراها، وربما أضيف نظرها للوزير.
ومنها نظر الخزانة، ويعبر عنها بالخزانة العالية. ومتوليها يكون رفيقاً للخازندارية من الطواشية المتقدم ذكرهم، فيكون متحدثاً في أمر التشاريف والخلع وما معها؛ وهي وظيفةٌ جليلةٌ يوليها النائب بتوقيع كريم.
ومنها نظر البيمارستان النوري- وقد صار النظر عليه معدوقاً بالنائب، يفوض التحدث فيه إلى من يختاره من أرباب الأقلام.
ومنها نظر الجامع الأموي- وفي الغالب يكون مع قاضي القضاة الشافعي.
ومنها نظر خزائن السلاح- وموضوعها كما في الديار المصرية، وولايتها عن النائب بتوقيع كريم.
ومنها نظر البيوت- وموضوعها على ما تقدم في الديار المصرية، وولايتها عب النائب بتوقيع كريم. وأخبرني بعض الدمشقيين أن هذه الوظيفة اسم على غير مسمى لا حقيقة لها ولا مباشرة، لعدم البيوت السلطانية هناك.
ومنها نظر بيت المال- وحكمها كما في الديار المصرية.
ومنها نظر ديوان الأسرى- وهو التحدث في الأوقاف التي تفدى بها الأسرى.
ومنها نظر الأسواق- وموضوعها كما تقدم في الديار المصرية من التحدث على سوق الرقيق والخيل ونحوها، وولايتها عن النائب بتوقيع كريم. ومنها نظر مراكز البريد- ومتوليها يكون رفيقاً لأميراخور البريد المقدم ذكره، وولايته عن النائب بتوقيع كريم.
ومنها نظر الحوطات- وهو على نحو من استيفاء المرتجع بالديار المصرية في تحصيل الأموال السلطانية.
أما الحكم في المحاكمات الديوانية، فيختص بناظر الجيش كما تقدم ذكره.
ومنها نظر المسابك- ومتوليه يكون رفيقاً لشاد المسابك المتقدم ذكره في أرباب السيوف، وولايته عن النائب بتوقيع كريم. قلت: ويضم إلى كل نظر من هذه الأنظار مباشرون: من شهود وغيرهم، يكتب لذوي الصوب منهم تواقيع كريمة عن النائب بوظائفهم، في أنظار أخرى لا يسع استيفاؤها: كنظر المواريث الحشرية وغيرها. ومما أهمل من الأنظار بها نظر مطابخ السكر كما أهمل شدها لإضافتها إلى المتحدث في الأغوار على ما تقدم ذكره في الكلام على وظائف أرباب السيوف.
الصنف الثالث من الوظائف بدمشق: الوظائف الدينية:
وهي عدة وظائف أيضاً منها:
قضاء القضاة- وبها أربع قضاة من المذاهب الأربعة على الترتيب المتقدم في الديار المصرية. فأعلاهم الشافعي وهو المتحدث على الموازع الحكيمة والأوقاف وأكثر الوظائف؛ ويختص بتولية النواب في النواحي والأعمال بجميع أعمال دمشق حتى في غزة، ويليه في الرتبة الحنفي، ثم المالكي، ثم الحنبلي. وكان استقرار القضاة الأربعة بها بعد حدوث ذلك بالديار المصرية، لكن لم تستقر الأربعة دفعة واحدة كما وقع في الديار المصرية في الدولة الظاهرية بيبرس، بل على التدريج. وأقدمهم فيها الشافعي؛ وولاية الأربعة من الأبواب الشريفة بتواقيع شريفة.
ومنها قضاء العسكر- وموضوعه كما تقدم في الديار المصرية، وبها قاضيا عسكر شافعي، وحنفي؛ وليس بها مالكي، ولا حنبلي؛ وولايتهما من الأبواب الشريفة السلطانية بتواقيع شريفة.
ومنها إفتاء دار العدل- وهي على ما تقدم في الديار المصرية أيضاً، وبها مفتيان شافعي وحنفي، كما في قضاء العسكر، وولايتهما عن النائب بتواقيع كريمة.
ومنها وكالة بيت المال- وموضوعها ما تقدم في الديار المصرية، وولايتها من الأبواب الشريفة السلطانية بتوقيع شريف ووكالته مثبوتة على الحكام منفذة. ولكن لا جلوس له بدار العدل كما يجلس وكيل بيت المال بالديار المصرية، إلا أن يكون كاتب دست فيجلس بواسطتها في جملة الموقعين لا بالوكالة.
ومنها نقابة الأشراف- والأمر فيها كما في الديار المصرية، وولايتها عن النائب بتوقيع كريم. وقد تقدم عليها في الديار المصرية انه كان من حقها أن تورد في جملة وظائف أرباب السيوف إذ يكتب في توقيع متوليها الأميري وإن كان متعمماً، وإنما التغليب العرفي اقتضى ذكرها في جملة وظائف أرباب الأقلام.
ومنها مشيخة الشيوخ وموضوعها كما في الديار المصرية: من التحدث على جميع الخوانق والفقراء بدمشق وأعمالها؛ والعادة أن يكون متوليها شيخ الخانقاه الشميصاتية بدمشق، وولايتها عن النائب بتوقيع كريم.
ومنها الحسبة- وهي كما تقدم في الديار المصرية من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وولايتها عن النائب بتوقيع كريم. ولا مجلس لمتوليها بدار العدل كما يجلس محتسب القاهرة بدار العدل في الديار المصرية، وإليه ولاية نواب الحسبة بجميع أعمال دمشق.
ومنها الخطابات المعدوقة بنظر النائب- فيولى فيها بتواقيع كريمة حتى إنه ربما كتب عنه التواقيع بخطابة الجامع الأموي، وإن كان الغالب أنها لا تولى إلا من الأبواب الشريفة بتوقيع شريف، وقد صارت مضافة لقاضي القضاة الشافعي.
ومنها التداريس- وتختلف باختلاف حال من يتولاها في الرفعة وغيرها، وولايتها عن النائب بتواقيع كريمة غالباً والله أعلم.
الصنف الرابع من الوظائف بدمشق: وظائف أرباب الصناعات:
فمنها رياسة الطب، ورياسة الكحالين، ورياسة الجرائحية- وكلها على نحو ما تقدم في الديار المصرية، وولاية كل منها بتوقيع كريم عن النائب. أما مهتارية البيوت وما في معناها، فهناك تختص بالنائب لقيامه مقام السلطان واختصاص البيوت به.
الصنف الخامس: وظائف زعماء أهل الذمة بها:
وفيها بطرك النصارى اليعاقبة، وبطرك النصارى الملكانية، ورئيس اليهود القرايين والربانيين، ورئيس السامرة، ولكنه مقيم بمدينة نابلس التي هي مدينتهم المعظمة عندهم، وإلى طورها حجهم، وله نائب مقيم بدمشق.
قلت: وربما كتب عن السلطان من الأبواب الشريفة بتواقيع ومراسيم بالحل على ما تصدر ولايته عن النائب، وربما كتب به عنه ابتداء.
الجملة الثالثة في ترتيب النيابة بها وتوافق ترتيب السلطنة في الديار المصرية في بعض الأمور، وتخالفها في بعض:
وكان عادة النائب بها في المواكب أن يركب في العسكر من الأمراء ومقدمي الحلقة وأجنادها في كل يوم اثنين وخميس، ويخرجون إلى سوق الخيل تحت القلعة فيسيرون خيولهم، وتعرض عليهم خيول المناداة وغيرها من آلات السلاح ونحوها، وينادى بينهم على العقار من الدور والضياع وغيرها، ولا يتعدون سوق الخيل إلى غيره. أما الآن فإنهم قد رفضوا التسيير بسوق الخيل، وصار النائب يخرج بالعسكر إما إلى ميدان ابن أتابك، وإما إلى قبة يلبغا: قبلي دمشق، وإما إلى المزة غربي دمشق، وإما إلى القأبون شمالي دمشق على حسب ما يختاره، فيسيرون هناك بدلاً من تسيرهم بسوق الخيل، ولا يسيرون بسوق الخيل إلا في يوم مهم من حضور رسل من بعض الملوك الغرباء ونحو ذلك. ف الملوك الغرباء ونحو ذلك. فذا فرغوا من التسيير عند ارتفاع النهار، عاد النائب في موكبه حتى يأتي باب الحديد من أبواب القلعة، ويقف الأمراء على ترتيب منازلهم، وينادى بينهم على العقار والدور وغيرها، وكذلك الخيول والسلاح. ثم يسير النائب إلى دار النيابة، فإذا كان في المواكب سماط تقدم الأمراء في خدمته، ويترجل مماليكه من سوق الخيل، ثم الأمراء على القرب من دار النيابة على ترتيب منازلهم حتى يكون ترجل المقدمين على باب النيابة، ويبقى النائب راكباً وحده حتى ينتهي إلى قاعة عظيمة معدة للجلوس في المواكب بمثابة الإيوان الذي يجلس فيه السلطان بقلعة الجبل بالديار المصرية، ويصدر بها كرسي من خشب مغشىً بغشاء من الحرير الأطلس الأصفر، وعيه سيف نمجاه، مسند إلى صدره، فيجلس النائب بصدر القاعة على مقعد مختص به، لا يشاركه أحد في الجلوس عليه، وخلفه بشتميخ منصوب وراء ظهره كعادة الأمراء، ويكون الكرسي المذكور على نحو ثلاثة أذرع منه؛ ويجلس قاضي القضاة الشافعي عن يمين النائب على نحو ثلاثة أذرع منه، مسنداً ظهره إلى جدار صدر القاعة، ويجلس قاضي القضاة الحنفي عن يمينه، وقاضي القضاة المالكي عن يمين الحنفي، وقاضي القضاة الحنبلي عن يمين المالكي، وقاضي العسكر الشافعي عن يمين قاضي القضاة الحنبلي، وقاضي العسكر الحنفي عن يمين قاضي العسكر الشافعي، صفاً مساوياً للنائب في صدر القاعة؛ ويجلس كاتب السر من جهة يسار النائب ملاصقاً لمقعده الذي هو جالس عليه، جاعلاً يمينه إلى جدار صدر القاعة وظهره إلى جهة الكرسي بانحراف قليل لمواجهة النائب؛ وكتاب الدست بالمسيرة تحته بالتدريج على حسب القدمة صفاً ممتداً من كاتب السر إلى جهة باب القاعة، ويجلس الوزير مقابل كاتب السر من الجانب الآخر على سمت يمين قاضي القضاة الحنبلي، ويجلس ناظر الجيش تحته، وكتاب الدست بالميمنة تحت ناظر الجيش على الترتيب بالقدمة أيضاً، آخذاً من الوزير إلى جهة باب القاعة، فيصير كاتب السر والوزير زمن يسامتهما صفين متقابلين، ويجلس أتابك العساكر من الأمراء في رأس الميمنة خلف الوزير على بعد، وبقية الأمراء المقدمين تحته على الترتيب بحسب القدمة، وأمراء الطبلخاناه بالميمنة تحتهم كذلك حتى يصيروا صفاً آخر كصف الوزير ومن معه؛ ويجلس المقدمون من أمراء الميسرة خلف كاتب السر ومن معه وتحتهم الطبلخاناه على الترتيب المتقدم صفاً آخر مقابلاً لصف الميمنة بحيث يكون أوله خارجاً عن يسار الكرسي. ويكون بين النائب ورأس الميمنة نحو خمسة أذرع، وبينه وبين رأس الميسرة نحو عشرة أذرع، وتقف طائفةٌ من أمراء العشرات والخمسات ومقدمي الحلقة بالميمنة صفاً مستقيماً خلف الأتابك والأمراء الجلوس في صفه على ترتيب منازلهم، ويقف مماليك النائب عن يسار الكرسي صفاً آخذاً من خلف أول مقدمي الميسرة بانحراف فيه إلى خلف، وطائفةٌ من مقدمي الحلقة خلف الأمراء الجالسين في الفرجة الواقعة بينهم وبين مماليك النائب؛ ويجلس حاجب الحجاب أمام النائب في آخر صفي الموقعين الممتدين من كاتب السر والوزير بميلة إلى صف الميمنة؛ ويقف بقية الحجاب خلفه، ونقباء الجيش خلفهم. وترفع القصص فيتنأولها نقباء الجيش ويوصلونها إلى حاجب الحجاب فيتنأولها ويقوم فيوصلها إلى كاتب السر فيفرقها على الموقعين، ويبتدىء هو بالقراءة فيقرأ ما بيده من القصص ويوقع عليها بما يرسم به النائب، ثم يقرأ الذي يليه، ثم الذي يليه إلى آخر صفه. فإذا فرغ ذلك الصف من القراءة، قرأ الصف الذي في جانب الوزير، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه إلى آخر الصف. فإذا انتهت القراءة، قام القضاة ومن في صفهم وكاتب السر والوزير وناظر الجيش وسائر أرباب الأقلام فينصرفون، فإذا انقضى المجلس وانصرف القضاة ومن معهم، مد السماط، ويجلس النائب على رأس السماط والأمراء ومقدمو الحلقة على ترتيب منازلهم فيأكلون، ثم يرفع السماط ويتحول النائب إلى طرف الإيوان فيجلس فيه، ويجلس قدامه كاتب السر وناظر الجيش وتأتي المحاكمات فيفصلها، ويقرأ عليه كاتب السر ما يرفع في ذلك المجلس من القصص؛ ويتكلم مع ناظر الجيش فيما يتعلق بأمر الجيش والإقطاعات، ثم يقوم من مجلسه ذلك وينصرف كاتب السر وناظر الجيش. راءة، قرأ الصف الذي في جانب الوزير، ثم الذي يليه، ثم الذي يليه إلى آخر الصف. فإذا انتهت القراءة، قام القضاة ومن في صفهم وكاتب السر والوزير وناظر الجيش وسائر أرباب الأقلام فينصرفون، فإذا انقضى المجلس وانصرف القضاة ومن معهم، مد السماط، ويجلس النائب على رأس السماط والأمراء ومقدمو الحلقة على ترتيب منازلهم فيأكلون، ثم يرفع السماط ويتحول النائب إلى طرف الإيوان فيجلس فيه، ويجلس قدامه كاتب السر وناظر الجيش وتأتي المحاكمات فيفصلها، ويقرأ عليه كاتب السر ما يرفع في ذلك المجلس من القصص؛ ويتكلم مع ناظر الجيش فيما يتعلق بأمر الجيش والإقطاعات، ثم يقوم من مجلسه ذلك وينصرف كاتب السر وناظر الجيش.
قال في مسالك الأبصار: وتزيد عساكر الشام على غيرها ركوب يوم السبت.
قلت: وهو ركوبٌ مجردٌ ليس فيه دار عدل ولا سماط. على أنه ربما أهمل حضور دار العدل ومد السماط في يومي الاثنين والخميس أيضاً كما في الديار المصرية.